الأحد، 7 ديسمبر 2014

أجمل ما قرأت هذا اليوم لصديقتي على الفيسبوك سيماء المزوغي .

هنا تونس: صراع


ماذا لو صار الصباح بالنسبة إليك أشبه بجبل يُثقل كتفك، وبركان غاضب يكوي صدرك، وشمس حارقة لا ترحم، تجفّف بؤبؤة عينيك، دموعك، دماء عروقك، لتتركك جسدا مخرّبا، ماذا لو صار الصباح شبحا نتنا يلتفّ حول روحك؟ فلا يدعك تشمّ رائحة التراب والياسمين، تشرب مليون فنجان من القهوة ولا تستطيع أن تفتح عينيك أبدا، ولا تستطيع أن تزيح العالم الساكن الميّت من أعماقك، ماذا لو قمت في الصباح بلا ذاكرة، لا تعرف اسمك ولا لقبك ولا موطنك ولا عملك ولا حتى وجهك في المرآة؟ ماذا لو صرت تتحرك وتتنفس وتعمل وتأكل وتتحدّث بلا روح، قلب ينبض غريزيا وأنت ميّت ولكنك تمارس حياتك كما تمارس الآلات المهمّة التي صنعت لأجلها؟ جسد في آلة اسمها «أنا» تعيش وتدرك أنها لا تعيش.. أريد أن أصل إلى الأعماق الصامتة ولا أستطيع أن أبدأ الطريق، لا لشيء إلا لأنّني مازلت أصرع الوحوش التي ترعبني كلّ يوم.. هكذا أنا أقوم كل يوم لأجد نفس الكارثة بانتظاري، ففي يوم الاثنين أنظر إلى المرآة فأرى أسناني قد سقطت جميعا بعدما خرّبها السوس، وفي يوم الثلاثاء أجد بثورا مقزّزة قد ملأت وجهي وجسدي، وفي يوم الأربعاء يكون وجهي بلا أنف، هكذا مجدوع، وفي يوم الخميس أرى وجهي مشوّها وملامحي مطموسة.. وهكذا، كل يوم مصيبة جديدة.. أفرك عيّني جيدا وأخرج لأجد أنّ كل شيء على ما يرام، فقط كان يتهيأ لي لا غير.. لذلك كنت مجبرة على اختيار قناع لأواري به تهيؤاتي، أملك ثلاثة أقنعة، وأرتدي كل يوم قناعا.. لأدرك لا حقا أنه لا يناسبني فأنتزعه لأبقى بلا وجه.. أو بلا واجهة.. لا أعلم.. بعد منعرج الصباح أواصل حياتي، بصفة «آلية»، أتكلّم ونفسي خرساء، أمشي في الشوارع، وساقاي مشلولتان، اكتب بأصابعي وقريحتي كما ذهني كما روحي في غيبوبة لا أعرف مداها.. أراقب الحركات والسكنات ولا أتفاعل أبدا.. وكأنّ بيني وبين العالم حجاب يفصلني عنه، ويفصل بيني وبين نفسي التي أبحث عنها.. أمّا في الليل، فهي كارثة أخرى، أنام لأقوم فجأة وكلّي خوف ورعب وإرهاق.. كوابيس ليلية تتفنّن في تعذيبي.. قصدت طبيبا نفسيا، فأخبرني أنّي انقسمت إلى ثلاث شخصيات تتصارع داخلي، وعليّ ترويضها جميعا حتى تخضع لي كي لا أتخيّل البثور أو الأسنان المتساقطة أو الوجه المشوّه.. كي أنام مطمئنة في الليل، كي تعود إليّ الحياة، كي أتكلّم بصوت عال، كي أكتب عمّا أريد، كي أكسر القيود والأغلال المرمية هنا وهناك، كي أكنس الأشواك التي تملأ الطرقات.. الشخصيّة الأولى ثائرة ، متمرّدة، ملتزمة بقناعاتها، ناقدة باستمرار تريد أن تزلزل ما يعترضها، لا تخشى المخاطر... دائما متردّدة في المنعرجات الكبرى.. الشخصية الثانية، قوّية ورصينة، أنانية، تتحوّل دائما، تواكب المتغيّرات، تبادر وتنتهز الفرص.. أما الشخصية الثالثة، فهي هادئة لكنها خاضعة وبدائية، لا تتطوّر أبدا، مطمئنة ولكنّ اطمئنانها مزيف لا يريحني، هكذا شخّص لي الطبيب الحكيم علّتي.. القاسم المشترك الأصغر بين شخصياتي الثلاث هو أنّ كل واحدة تعتقد أنّها الأفضل، لذلك تتصارع في ما بينها داخل نفسي حتى تمتلكني، حتى تسيّطر عليّ، غير أنّ صراعها هذا أودى بروحي فتركني جسدا ينبض ولكن لا حياة فيه.. أما القاسم المشترك الأكبر فإنّها تدعي حبّي وراحة بالي.. أردت ترويضها جميعا داخلي ولكنها أبت الهدوء، تهدأ واحدة لتثور أخرى، وبين الهدوء والثورة تلتهمني البثور والأوجاع هنا وهناك.. احترت.. جرّبت تناول أدوية ناجعة من مصانع العالم، لكنّ جسدي رفضها وأبى إلا أنّ أخلق دوائي بنفسي.. جلست مع نفسي كثيرا، حاورتها، ناقشتها، عاهدتها، أمهلتها، سامحتها.. حلمت كثيرا، بعضها كان كوابيس وبعضها كان أحلاما.. صرت أشمّ رائحة الصباح جزئيا، نسيت ذلك الصراع الدامي بيني وبين نفسي.. فقط، هناك خطوط حمراء، حذّرت نفسي من أنّ أفتكّ حرية نفسي.. ولم يعد يهمني أيّ الأقنعة التي تناسبني، فقط، عيني لا تحترق، ترى وتراقب، أصابعي لا ترتعش، تكتب وتعبّر، قلبي لا يسكت، ينبض ويحبّ ويعيش.. أنيابي لا تسقط، تمزّق وتخترق إنّ تمّ تجاوز هذه الخطوط الحمراء..

هنا تونس: صراع.جريدة المغرب


هناك 14 تعليقًا: